سلسلة مقالات....أعيشك عكا (الحلقة14+15)

ح (14): المدير الراهب

تستمر صديقتي في سيرها والسورَ إلى مدرستها (تيراسنطة) المطلّة على الميناء .. تدخل زقاقا ينتهي في السوق مرورا بخان العمدان ومنه  إلى ساحة المدرسة المحاطة بالمقاهي .. "أبونا" هو مدير المدرسة .. تكلّم العربيّة بلُكنَة إيطالية .. كان متشدّدا عاقد الحاجبين بلا هوّادة .. متزمّتا لقوانين ودستور المدرسة الشبيهة لأنظمة دير الرهبان والراهبات .. لكن، كلّ ذلك لم يمنع "كيوبيد" أو "إيزيس" أو "عشتار" أن تأسرَ قلوبَ الشباب الذين عجّت مقاهي الساحة بهم منذ الحصّة الأولى وهم ينفثون دخان الأراجيل بترقّب حدث جلل ينعش سريان الدم بالأوردة.

فما أن يُقرع جرس الاستراحة حتى تخيّم في الفضاء غيمة دخان الأراجيل وتكاد تُسمع دقّات القلب تهرول صوب التلميذات والتنانير السوداء .. علّهم يحظوْن بنظرة من تلميذة استهواها القلبُ وهي تمشي الهويْنا بالزيّ المدرسيّ، القميص الأبيض، التنورة السوداء القصيرة والجوارب البيضاء الطويلة حتى مفصل الساق .. وكأنّ كلّ التلميذات سعاد حسني أو نادية لطفي، والشباب كأنّهم أحمد رمزي .. أمّا "أبونا" فكان لون وجهه كالنبيذ الأحمر المعتّق كلّما سألته إحدى التلميذات بشقاوة "أبونا لي ما تزوّجت؟ هل أنت ضحيّة حبٍ فاشلٍ؟!!" .. يكشّر عن أنيابه ويرمّقها نظرة صامتة كادت تلين لكنها تمنّعت .. ثمّ يسارع في خطواته لجوءا إلى مكتبه ويُغلق البابُ .. وللحكاية بقيّة

ح(15): بث مباشر

   مقرّ حزب الليكود (يمين) كان في زاوية الشارع المقابل لبيتنا .. ليس بعيدا عن مقرّ حزب العمل (يسار)ّ .. فكانت الأجواء عشيّة الانتخابات غائمة جزئيًا، حتى تحتدم وتشتدّ العزائم لتتطاير عبر الشارع الشتائمُ والمسبّاتُ بين الفريقين كلّما دنت ساعة الصفر لإعلان النتيجة .. وسرعان ما تثور الغرائز فتتشابك الأيادي ليتحوّل الجو إلى غائم كليّا .."ياعيل" في علاقتها معنا اعتمدت احترام عاداتنا وتقاليدنا وكان شرطا للاستمراريّة .. كذلك مع أهلها فكان انسجام حقّ الجار للجار لم يختل توازنه لسنين طوال، لكن على مضض .. حتى يحين موسم الانتخابات فتسكت شهرزاد عن الكلام المباح .. ويُرفع الستار عن وجه شهريار (أهل ياعيل) اليمينيّ .. فنتنحّى جانبا ونترك الميدان لحميدان. 

في الصندوق صوتهم يمينيّ عنيد .. نجلس (أنا وصديقتي) على شرفة غرفتي المطلّة على الأجواء، نتابع ونضحك مما نشاهد ونسمع .. كان ممتعا جدا أن تكون مشاهِدا وليس مشارِكا... فالمعركة معركتهم واللعبة لعبتهم والحَسمُ لهم ..أمّا نحن كنا مراسلين كرام للمشهد في بثٍ حيٍ ومباشر  ... وللحكاية بقيّة